علي صرخات طويلة قطعت سكون الليل في شارع عبد الفتاح ابراهيم بحي الشرابية فى وسط القاهرة العاصمة المصرية العريقة، استيقظ محمد عبد القادر احد السكان، سريعا شق طريقه إلى الشارع وهناك كان المشهد المروع كما يصفه "نزلت في الشارع لأجد حريقاً هائلاً في مخازن الخشب والعشش المقابلة لنا، حاولنا اطفاء الحريق مع اهالي المنطقة الا ان النار كانت قد اشتعلت فى كل العشش الموجودة، و كالعادة وصلت سيارات الاطفاء متأخرة ولم تكن اعدادها كافية وعندما وصل لها الامداد كانت النيران قد اتت علي كل العشش، ومازالت مشتعلة في بعض مخازن الخشب "، يشير محمد بيده الي كومة كبيرة من الرماد يتصاعد منها الدخان قائلا "في هذه المنطقة كان موجود اكثر من 250 عشة تسكنها اسر الي جانب بعض مخازن الخشب...والان تحولت إلى رماد".
اصبح حدوث حريق في القاهرة هو خبر عادي لا يقف عنده المصريين كثيرا، لان اخبار الحرائق الكبيرة اصبحت تحتل عناوين الجرائد في مصر كل يوم، بعد ان كانت الحرائق في مصر لها مواسم خاصة شهري يونية ويوليو وذلك بسبب تقفيل السنة المالية في الحكومة، الان اصبحت الحرائق عرض مستمر تتصدر مانشيتات الصحف كل يوم، منذ حريق مجلس الشوري في اغسطس الماضي والذي تلاه حريق المسرح القومي ثم عدد من الحرائق المتنوعة كان آخرها حريق عمارة التوفيقية ثم محلات التوحيد والنور بحلوان وعشش الشرابية وحريق سوق الجمعة وجميعها فى يوم واحد.
وعن الخسائر الكبيرة التي تتكبدها الحكومة المصرية بسبب هذه الحرائق اشارت دراسة صدرت عن مركز الأزمات والكوارث فى جامعة عين شمس، إلى أن الحرائق فى مصر تتجاوز خسائرها 400 مليون جنية،واضافت الدراسة الصادرة عن المركز " أن القاهرة وحدها اشتعل فيها 25 ألف حريق.. وهو ما يوازى 30 % من إجمالى الحرائق فى مصر.التقرير تحدث أيضا عن أسباب زيادة الحرائق فى الفترة الأخيرة فى منطقة وسط القاهرة،و الجزءالمعروف بـ "القاهرة الاسلامية والخديوية" وذلك تبعا للطراز المعماري و التى تعد أهم المناطق التجارية فى العاصمة والتى يصل عدد المحال بها إلى 100 ألف محل لا تتوافر فيها عوامل الأمان.
وفي الوقت الذي يري البعض ان الحرائق التي تتم في وسط البلد تحديدا في القاهرة الخديوية، راجع لوجود مؤامرة لاستيلاء بعض الشركات علي المباني في وسط البلد، لكي تستولي على مشروعات كبري تقوم الدولة علي تنفيذها مثل مشروع القاهرة 2050، وهو الرأي الذي يؤيده المهندس ممدوح حمزة، والذي كشف فى وقت سابق عن وجود شركات كبري تسعي الي شراء العقارات في تلك المنطقة من القاهرة، يري البعض ان تكرر الحرائق فعل أكبر من هذه الشركات ومنهم الدكتور"عصام العريان، عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين والذي يشير إلي أن الحرائق تمت عن عمد لتوصيل رسالة معينة للنظام، تؤكد قدرة فاعل الحرائق على إحداث عمل أكبر من ذلك، فالصراع الآن لمن يرث السلطة. والنظام اصبح داخله جبهات تحارب بعضها للبقاء إلي ما بعد انتقال السلطة وبالتالي فالمطلوب سرقة وطن وهذه الحرائق الصغيرة شرارة لحريق اكبر تنتظره مصر ويجري تدبيره.
بالنسبة للقاهرة الاسلامية المتمثلة في الازهر والحسين والموسكي الوضع مختلف، خالد فاروق صاحب محل بيع ملابس جملة في درب البرابرة في وسط القاهرة يقول :"منذ سنتين حدث حريق نتيجة ماس كهربي في احد الورش ولم تستطع سيارات الاطفاء الدخول لان الشوارع هنا ضيقة للغاية، ولم يكن هناك حنفية حريق قريبة مما اضطرهم لمد خراطيم الاطفاء فوق اسطح البيوت، وهو ما تطلب الكثير من الوقت كانت الحريق خلاله قد أكلت اربعين محل، و وصلت الخسائر إلى ما يقارب الـ" 20 مليون جنية"، الدراسة التي صدرت عن جامعة عين شمس حول أسباب انتشار الحرائق في منطقة مثل الموسكي:تؤكد إن عدم وجود شبكات إطفاء داخلية وتهاون أصحاب المحلات التجارية في حماية ممتلكاتهم بتنفيذ شبكات إنذار وتقاعس الأجهزة التنفيذية في إصدار قرار بغلق أي منشأة تخالف شروط الدفاع المدني وسوء أماكن تخزين البضائع وعدم اتباع الأصول الهندسية في التصميمات الداخلية للمنشآت وزيادة أحمال الكهرباء كانت وراء انتشار الحرائق خلال السنوات الماضية.في العتبة حيث لا موضع لقدم منذ الثامنة صباحا حتي موعد إغلاق المحلات.
الدكتور احمد يسري استاذ التخطيط العمراني بجامعة القاهرة يضيف الي هذا اسباب اخري قائلا ان الاشكال البنائية في الاحياء القديمة في القاهرة مثل الازهر والموسكي والعتبة لا تسمح بممارسة أي أنشطة سواء صناعي او تجارية أو وجود أسواق لعدم توافر شروط الأمن الصناعي ونظرا لتلاصق المباني وضيق الطرق التي تمنع وصول سيارات إطفاء و إسعاف لأي منشأة تتعرض إلي حريق، وأضاف يسري الحريق إذا حدث في مثل هذه المناطق يصبح كارثة لا يمكن السيطرة عليها بسهولة خاصة أن التجارة في هذه المناطق قائمة علي الصناعات والمواد القابلة للاشتعال مثل الأقمشة والاخشاب والبويات والعطور والورق، وبالتالي فإن الحرائق التي حدثت طالت أكبر عدد من المحلات والمخازن المتلاصقة، ولم تستطع سيارات الإطفاء السيطرة عليها لعدم نجاحها في الوصول إليها من جهة وضعف شبكات إطفاء الحريق من جهة أخري.
اذا كانت الشوارع الضيقة وعدم وجود حنفايات حريق في المناطق القديمة من القاهرة مثل الازهر والموسكي هي السبب في فداحة نتائج الحرائق التي تشتعل في تلك المناطق، الوضع يختلف بالنسبة لباقي القاهرة حيث عمارة التوفيقية كانت كائنةعلي شارع رمسيس الرئيسي في وسط البلد ولم تستطع اجهزة الاطفاء التعامل معها علي مدي 24 ساعة وكذلك حريق الشوري الذي استمرت قوات الاطفاء علي مدي اكثر من يوم تحاول اطفائها وعن اسباب هذه الحالة يؤكد اللواء محمد عثمان رئيس وحدات الإطفاء السابق بالقوات المسلحة أن ما يحدث مؤخراً من حرائق في كل مكان سببه الاساسي إهمال واضح فهناك أسباب تساعد فعليا في انتشار الحرائق في الأماكن الحكومية علي سبيل المثال لأن أغلبها موجود في مبان قديمة، يدخل الخشب بشكل كبير في تكوين عدد منها وكذلك الحال بالنسبة للمباني القديمة. كما أن الشبكات الكهربائية بها أنشئت لتتحمل جهدًا معينًا بينما في الوقت الحالي تتحمل أحمالاً كهربية أعلي بكثير مما صممت لأجله سواء في صور استهلاك كهربية عالية جراء استعمال تكييفات أو أجهزة كهربية.
ويضيف الي هذا خالد عويضة، خبير تصميم شبكات مقاومة الحريق أسباباً أخري للحرائق فيقول: الحكومة تهمل في كل شيء حتي في المباني التابعة لها، ويؤكد ان "كل الأماكن الحكومية التي دخلتها ليس فيها مكان واحد به اي تجهيزات ضد الحرائق سواء بشبكات إنذار أو مقاومة الحرائق وهذا بالطبع يساعد أكثر علي انتشار الحرائق وازدياد درجة خطورتها وهذا ما حدث عمارة رمسيس والمسرح القومي ومجلس الشوري".
لهذه الاسباب كلها تبدوا احياء القاهرة القديمة كأنها تنتظر الحريق الاخير.
المصدر : فتحي الشيخ جريدة إيلاف
0 التعليقات:
إرسال تعليق