هل نحن فعلا شعب فقير وجائع وعاطل وغير قادر على الفعل وغير مهتم بالشأن العام أو مهموم بالوطن وقضايا الأمة ؟!.
وهل الشعب المصري فعلا سلبي وأناني ولا يفكر كل فرد من أفراده سوى في نفسه ومصلحته الخاصة او على الأكثر مصلحة اسرته واهله وأولاده، ويرفع دائما شعار "أنا مالي"؟!
الحقيقة أن هذا ما تروجه وسائل الاعلام الخاصة والحكومية، وما يقوله معظم المثقفين في حواراتهم مع الصحف والفضائيات، وما يكتبه معظم الكتاب في دراساتهم كتبهم ومقالاتهم..بل وما يردده الناس أنفسهم بينهم وبين بعضهم البعض في البيوت وعلى المقاهي وفي أي مكان يلتقون فيه تسمع منهم هذه التعبيرات" اصل المصري شعب ابن"!..وكانهم ليسوا هم ايضا مصريون!!..
فالحوارات بيننا أصبح يسيطر عليها منذ سنوات طويلة السواد والتشاؤم ، والحديث المفضل لدينا اصبح هو الشكوى من الأوضاع العامة والخاصة والكلام عن الفساد والمحسوبية وتفشي الرشوة وأزمة الغذاء والضمير والأخلاق وأزمة السينما والغناء وزمن الفن الجميل الذي راح وانتهى ولن يعود والحياة الحلوة التي كانوا يحيونها زمان والشوارع التي كانت نظيفة والمساكن التي كانت رخيصة والبيضة التي كانت بكام مليم، والسعار التي كانت في متناول الجميع؟!.
لكن هل الصورة الحقيقية بهذا السواد وتلك القتامة ..وأليس هناك أمل في المستقبل أو ضوء ولو بسيط في آخر النفق المظلم ؟..وهل الحياة في مصر بشعة وكئيبة وقاسية الى تلك الدرجة التي نسمعها في الفضائيات وفي الصحف وفي أحاديث الناس؟!
نعم..هناك سلبيات كثيرة وهناك أوجه قصور متعددة ولدينا أزمات كثيرة ومتوالية..لكن هذا لا يمنع أن المجتمع يتطور بالفعل وليس بشعارات الحزب الحاكم والصحف الحكومية وقنوات التليفزيون الرسمية.
أنظر الآن إلى الأجهزة الكهربائية التي كانوا يعتبرونها في السيتنيات والسعينيات أجهزة كمالية أي يمكن الاستغناء عنها أو هي نوع من أنواع الرفاهية..مثل الثلاجة والتليفزيون والبوتاجاز ، وأخيرا "الدش" والتليفون المحمول ، وستجدها موجودة الآن في أي بيت مصري مهما كان فقيرا..ستجدها في المناطق العشوائية وفي بيوت الصفيح وفي الريف.
لقد كان المشروع القومي في مصر قبل الثورة هو مشروع مكافحة الحفاء، لشراء أحذية لشعب كان نصفه تقريبا يسيرون في الشوارع بدون احذية.
وبعد ثورة يوليو 52 وخلال الستينات والسعينات كان رب الأسرة يحجز الثلاجة "الايديال" المتواضعة، أو بوتاجاز المصانع الحربية "أبو أربع عيون" ويتنظر سنوات حتى يصيبه الدور، أما التليفون ، فكان يمكن أن ينتظر 20 سنة حتى يتم تركيبه في بيته أو مكتبه، وكان يصرف الجاز من البقالات بالكوبون.
ولا أتحدث هنا عن الطبقات المعدمة ، ولكني أتحدث عن الطبقة المتوسطة أو المستورة، التي يشيعون كذبا الآن أنها انهارت وتقلصت، والحقيقة أنها زادت وتوسعت، وأحيلكم الى كتاب المفكر والاقصادي د.جلال أمين، لتعرفوا بالأرقام حقيقة نمو الطبقة المتوسطة في مصر..وكانت الطوابير أمام الجمعيات الاستهلاكية مشهدا عاديا ومعتادا في تلك الفترة.
وطبعا أنا لا أقصد أن أقول إن كل شئ تمام وليس في الامكان أبدع مما كان ، أو أنه ليس هناك محسوبية وفساد..لكن الكلام الذي أصبح مثل "الاكلاشيهات" المحفوظة والاسطوانات المشروخة حول تدهور مستوى المعيشة في مصر، وتدهور أحوال الناس يحتاج الى مراجعة وإعادة نظر.
أنظر الى أعداد السيارات في شوارع المحروسة لتعرف أننا لسنا باي حال من الأحوال شعب فقير أو مع معدم كما يرددون.
هناك فقراء نعم ..وهناك ملايين من المصريين يعيشون تحت خط الفقر..نعم..لكن النسبة الغالبة من الشعب تحسنت أحوالهم في شتى المجالات..ومتوسط أعمار المصريين زاد عن ما قبل الثورة وعن فترة الستينات، فضلا عن مجتمع النصف في المائة قبل الثورة.
ومستوى دخول قطاع متزايد من الناس تزيد بشكل كبير ووفيات الأطفال قلت..ونسبة الأمية التي كانت تزيد عن 50% من الشعب قلت هي الأخرى، رغم التسرب من التعليم وعمالة الأطفال.
وعلى المستوى السياسي حدث حراك حقيقي، رغم أنه بطئ وغير كاف، لكن يمكن البناء عليه.
ووعي الشباب زاد بدليل آلاف الشباب الذين يشاركون بفاعلية من خلال المواقع اللاليكترونية والمدونات.
والمظهر الخارجي للمصريين في الملابس والهيئة الخارجية تحسن كثيرا.
وقارن مثلا بين صور اللاعبين ونجوم التمثيل وجمهور كرة القدم القديمة التي يذيعونها أحيانا وبين مظهر الشباب والفتيات وملابسهم الآن وأنت تعرف الفرق .
والشكوى الدائمة من سوء الأحوال والتشاؤم المرضي وجلد الذات "على الفاضية والمليانة" ، وغشاعة اليأس بين الناس لن يغير وضعا اجتماعيا أو نظاما سياسيا ..ولابد أن يكون هناك طريق ثالث صادق وموضوعي يقول للناس حقيقة أوضاعهم، بعيدا عن تطبيل وتهليل صحف الحكومة وتليفزيونها واذاعاتها ، وبين الغربان والبوم الذين ينعقون ليل نهار في بعض الصحف والفضائيات ، ويكرهوننا في الحاضر والمستقبل، وينغصون علينا عيشتنا دون أن يدلونا على البديل أو يعطوننا ولو بعض الأمل في غد أفضل!.
0 التعليقات:
إرسال تعليق