ما هو موقع ومكانة العرب في هذه المعادلة الجديدة؟ وما هي العدة التي أعدتها الدول العربية لمجتمع المعرفة؟ وما هي السياسات التنموية والاستراتيجيات المختلفة التي اعتمدتها للاستفادة من الانفجار المعلوماتي واللحاق بالدول المتقدمة وتفادي التهميش والتأخر؟
للإجابة عن هذه التساؤلات يجب العودة إلى الوراء وإلقاء نظرة نقدية لواقع العالم العربي في المجال العلمي والمعرفي:
(1) - يلاحظ أنّ الموازنات التي تخصص للبحث العلمي في العالم العربي لا تكاد تذكر، كما أنّ مؤسسات البحث العلمي تسيطر عليها البيروقراطية والشكليات أكثر من أي شيء آخر، والشيء نفسه يمكن قوله بالنسبة للبحث العلمي داخل المؤسسات الجامعية.
(2) - في معظم الدول العربية لا تعتمد الحكومات على بيانات ومعلومات ودراسات في اتخاذ قراراتها، وهذا يعني أنّ المعلومة كمصدر قوة لا تعني شيئا بالنسبة للكثير من أصحاب القرار في العالم العربي، وهذا يتناقض - أساسا - مع روح وفلسفة مجتمع المعرفة.
(3) - في معظم الدول العربية مازالت وسائل الإعلام تعاني من الرقابة والولاء الأعمى للحكومات، وهذا يعني أنّ مصدرا من المصادر الرئيسية للمعلومات يعتبر مبتورا ولا يقوم بدوره في المجتمع كما ينبغي. وهنا يجد المواطن العربي نفسه أمام خطاب إعلامي لا يتفاعل ولا يتماشى مع روح مجتمع المعرفة.
(4) - تهميش المواطن العربي وعدم إشراكه في الحياة السياسية وفي عملية اتخاذ القرار، وهذا الموقف من الفرد ينفي أساسا فكرة أهمية المعلومة وكونها مصدر قوة في المجتمع.
(5) - ضعف البعد الاستشرافي والاستراتيجي في العديد من الدول العربية، حيث معالجة الأوضاع والقضايا يتم بطريقة يومية روتينية.
لقد أصبحت المعرفة العلمية والتكنولوجية عنوان العصر، والمفارقة التي يعاني منها العالم العربي تتمثل في أنه لم يحقق النموذج الكلاسيكي للتنمية، نموذج الثورة الصناعية الثانية، في الوقت الذي هو مضطر فيه إلى تحقيق نموذج الثورة الصناعية الثالثة، أي الثورة المعرفية والتكنولوجية وثقافة مجتمع المعرفة.
لقد بيّن التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية الذي أصدرته مؤسسة الفكر العربي أنّ العدد الإجمالي لمنشورات العالم العربي من الكتب خلال عام 2007 هو 27809 عناوين، أي أنّ كل 11950 مواطنا عربيا يكون له كتاب واحد بينما لكل 491 مواطنا إنكليزيا كتاب واحد ، ولكل 713 مواطنا أسبانيا كتاب واحد. وعلى صعيد دوافع استخدام الإنترنت لدى المواطن العربي يأتي دافع الترفيه في المرتبة الأولى بنسبة 46 % بينما يبلغ دافع التماس المعلومات 26 % ويبلغ عدد المواقع العربية المسجلة على الإنترنت 41745 موقعا حسب إحصائية 2007، ولا يشكل هذا العدد سوى نسبة 0،026 من إجمالي عدد المواقع العالمية.
أسباب عجز العرب عن استيعاب التطورات العلمية الثقافة العربية المعاصرة لا تخلو من نقائص كثيرة تعوق تقدم المعرفة، إلا أنّ التركيز المستمر عليها في الندوات والمحاضرات والأوساط العلمية والإعلامية يطمس العوامل الأهم والأعمق في تفسير عجز العرب عن استيعاب التطورات العلمية والتقنية وتمثلها، وكذلك عن تطوير الثقافة العربية بما يتلاءم مع حاجات هذا الاستيعاب، وأعني بها العوامل الاجتماعية والسياسية. فمما لا شك فيه أنّ الوضع السياسي العربي الذي يتميز بعدم الاستقرار واحتدام الصراع والتنافس على المناصب، النابع من الافتقار لقاعدة ثابتة ومقبولة للتداول السلمي على السلطة بين النخب المتنازعة، أي للديمقراطية، يشكل أحد العوائق الكبرى أمام نمو المعرفة وتوطنها النهائي وترسخها في التربة العربية. ولعل من أهم النتائج السلبية لهذه الوضعية، وأكثرها مساسا بعملية التنمية المعرفية ، ما هو معروف من تدخل مباشر لأجهزة الأمن والأجهزة السياسية الحاكمة في التعيينات بالمناصب المعرفية العلمية أو الفكرية أو الأدبية، لاستبعاد الشخص غير الموالي للنظام أو لوضع الشخص الموالي وتنفيعه. مما يعني التضحية، في سبيل ضمان السيطرة السياسية على مؤسسات المعرفة، بكل معايير الكفاءة والتكوين. وإذا كان السبب الأول في ضعف الإنتاج والبحث العلمي والتقني في العالم العربي هو نقص الاستثمارات المادية والبشرية، فإنّ السبب الذي يفسر الضعف الشديد في عوائد مؤسسات التعليم والبحث العلمي العربي القائمة هو سيطرة الاستراتيجيات السياسية على هذه المؤسسات وحرمانها من الأطر الصالحة الكفء والمناسبة من جهة، ومن الاستقلالية التي لا غنى عنها لأي رجل علم وبحث ومعرفة ولأي تجديد وإبداع معرفي من جهة ثانية . فمن دون ذلك تتحول المؤسسات المعرفية إلى أجهزة وأدوات إضافية لتعزيز سيطرة النخب الحاكمة وتوسيع قاعدتها الاجتماعية التي تستند إليها ولا يبقى لها أية علاقة بميدان المعرفة، سواء أكان تعليما أم بحثا أم تجديدا تقنيا
0 التعليقات:
إرسال تعليق