جلجامش ملك سومري عظيم أضناه البحث عن حلم الخلود والعيش للأبد.. وحين يئس في آخر حياته طلب حفظ جسده في العسل على أمل نجاح الحكماء بعد وفاته في إعادته للحياة.. ومن المدهش أن هذا الحلم -الذي يعود لخمسة آلاف عام- ظل مستمراً ومتواصلاً حتى يومنا هذا.. فحين يعجز أثرياء اليوم عن اكتشاف أكسير الحياة يطلبون تجميد أجسادهم على أمل إحيائها في وقت لاحق.. وكما حنط الفراعنة أجسادهم قبل أربعة آلاف عام، يمد اليابانيون هذه الأيام لحقن أجسادهم بالبلاستيك بعد موتهم -لحفظها من التحلل- والعودة في زمن أكثر تقدماً..
وما يبدو لي أن الرغبة بالخلود حلم أصيل زُرع في الإنسان حتى قبل نزوله للأرض.. فالشيطان لم يجد أفضل من شجرة الخلد يغوي بها آدم (قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى) وحين تجاهله عاد للعزف على نفس الحلم بوجود حواء (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين)!!
... هذا التواصل الزمني يثبت أن الخلود (حلم خالد بحد ذاته) لم يغادر ذهن الإنسان في يوم من الأيام.. ولو تفحصنا الموروث الثقافي لأي أمة لوجدنا فيها شيئاً عن ينبوع الشباب وشجرة الخلد وأكسير الحياة (وهي المسميات التي استبدلناها هذه الأيام بالاستنساخ والتجميد ونقل الأدمغة ومزج الأعضاء بالآلة)..
فالأغريق مثلاً كانوا على قناعة بأن «أكسير الحياة» يُحضر في الهند، وكان الهنود يعتقدون أنه يوجد في التيبت، وسكان البيرو يعتقدون أنه عشبة تنبت في البهاما، أما الأوروبيون فكانوا يعتقدون أن كولومبس اكتشف «ينبوع الحياة» في جزر الكاريبي، وحين سمع المستكشف خوان بونس أنه في فلوردا ذهب إليه ولكنه لم يجد غير ينبوع عادي ما يزال يدعى باسمه....
.... وفي خمسينيات القرن الماضي نشرت طبيبة رومانية تدعى «أنا أصلان» بحثا حول مادة البروكائين (H3) ودورها في تجديد الشباب وتأخير الشيخوخة. وحين أدركت السلطات الرومانية أهمية هذا الاكتشاف استغلته لتمجيد الدولة والترويج للنظام الطبي فيها..
وفي ذلك الوقت كانت معظم الزيارات الرسمية لرومانيا تتضمن المرور سراً على معهد أصلان لطب الشيخوخة - حيث عولج فيه الجنرال ديجول، وشاه إيران، والرئيس خروتشوف، والزعيم الصيني ماوتسي تونغ.. وقبل عشر سنوات تقريباً أعلن العلماء في جامعة جلاسكو عن نجاحهم في تركيب كبسولة (تضيف لعمر الإنسان ٢٥ عاماً) وتتضمن عناصر كيميائية مقاومة لظاهرة الأكسدة المسؤولة عن تقدمنا في السن..
أما مجلة نيوساينتست فذكرت أن الأطباء في جامعة نيوكاسل اكتشفوا عام ٢٠٠١ بروتيناً مسؤولاً عن إبطاء الشيخوخة (يدعى PARP 1) يمكنه إيقاف التقدم بالعمر والتقليل من سرعة انهيار الخلايا.
أما آخر الأخبار فتتعلق بهرمون ينتج داخل الجسم (يرمز له اختصاراً بDHEA) يدعي بعض الأطباء قدرته على تجديد الخلايا ومنع الشيخوخة في حال حقنت كميات إضافية منه في الجسم..
- على أي حال؛
أنا شخصياً لا أؤمن بإمكانية الخلود والعيش للأبد، ولكنني في المقابل أؤمن بقدرة الطب على تأخير الشيخوخة وإطالة فترة الشباب (بدليل ارتفاع متوسط العمر في أوروبا من ٢٥ عاماً قبل ثلاثة قرون إلى ٨٠ عاماً هذه الأيام)... وبعد ذلك أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة!!
مقال اعجبنى من جريدة الرياض
0 التعليقات:
إرسال تعليق