علامات الاستغراب تملأ المكان، وتعلو الدهشة كل من حضر هذه الليلة، ومشاعر الفرح والابتسامة تراود الحاضرين على استحياء، ليلة حضر فيها كل الأطراف (والد العريس، ووالد العروسة، وأقاربهم مع المأذون الشرعي) باستثناء العروسين.. حالة غريبة، وزواج يستحق أن يروى للأجيال القادمة؛ فالعريس يدرس في أمريكا، والعروسة تعيش في المدينة المنورة، وعقد القران حدث في مدينة جدة بواسطة التقنية الجديدة.
وسط هذه الأجواء تم عقد قران العريس أحمد جميل رجب (26 عاما) على خطيبته وفاء السحيمي (24 عاما)، عبر تقنية الاتصال المرئي "الماسنجر"، وتعتبر هذه الحالة هي الأولى من نوعها بالنسبة للوسط السعودي الذي يعتبر مثل هذه الأمور من المستحيلات.
وجدتها..
العريس أحمد يدرس في أمريكا، جامعة ماري مونت بولاية فرجينيا الأمريكية، طرأت في ذهنه فكرة الزواج ووافقه عليها الأهل، إلا أنه واجه صعوبة كبيرة في العودة إلى السعودية لعقد قرانه؛ بسبب مشكلة تجديد تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة للطلاب السعوديين، فيقول: "احترت بين أمرين: المحافظة على مستقبلي الدراسي بعد أن قضيت سنتين في أمريكا، أو العودة إلى السعودية لعقد قراني واحتمالية عدم عودتي مجددا لمواصلة دراستي بسبب التأشيرة".
عقد القران وسط الأهل والأقارب
ولضمان مستقبله الأكاديمي يقول: "جاءتني فكرة «زواج الماسنجر» وأقنعت أهلي بها بعد رفضهم لها في بداية الأمر". كثير من المأذونين الشرعيين رفضوا كتابة عقد هذا النكاح من خلال هذه التقنية الجديدة؛ لأنهم رأوا أن الزواج بهذه الطريقة غير شرعي، إلا أن أهل العريس استطاعوا إقناع أحدهم الذي اعتبر "الزواج والطلاق عن طريق الهاتف أمرا جائزا"، ووافق المأذون على كتابة العقد عبر تقنية الاتصال المرئي؛ إذ سيتم بث عقد القران في جدة، بينما سيتم تشغيل جهاز عرض (بروجكتور) ليرى كل الحضور العريس وهو في ولاية فيرجينيا مرتديا الثوب السعودي والغترة والمشلح تعبيرا عن فرحته بعقد قرانه تلك الليلة، كما تسنى لأحمد نقل حفلته الكبيرة لأصدقائه وزملائه ومسئولي الجامعة الذين جمعهم في باحة مقر الجامعة.
موقف غريب
المأذون الشرعي الشيخ عادل الذماري، الذي عقد القران، أشار إلى أنه وُضع في أغرب موقف يمر به مأذون شرعي لعقود الأنكحة، مشيرا إلى أن الغرابة تكمن في استخدام التقنية في حفلات الزفاف، وقال الذماري: استندت في عقد النكاح إلى الوكالة الشرعية الممنوحة لـ"يوسف"، الشقيق الأكبر للعريس، مضيفا بأن الزواج بالوكالة حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عندما تزوج أم حبيبة وهي في الحبشة، وزوجه عمرو بن أمية الضمري أحد الصحابة وأمهرها النجاشي، وكان هذا الرجل وكيلا للنبي صلى الله عليه وسلم.
من جهتها، تقول العروسة وفاء: لم أكن مقتنعة بالزواج في البداية إلا بحضوره، ولكن عندما تأكدت أن حضوره سيترتب عليه إلغاء تأشيرة الدراسة، صليت حينها صلاة الاستخارة، وهي التي هدتني إلى الموافقة والإقدام على هذا الزواج.
لم تخف وفاء المغامرة والزواج بتلك الطريقة، قائلة: ضحيت بفرحة العرس من أجل من تقدم لي، وأتمنى أن أجد السعادة التي حلمت بها معه، وأنا أثق به، وتضيف: لم أهتم بمسألة الزواج، وإقامة فرح كبير، ويكون زوجي بجانبي بقدر ما كان يهمني ذلك الشخص الذي ارتبطت به.
زواج صحيح
من ناحيته، أكد الدكتور محمد النجيمي، عضو مجمع الفقه الإسلامي، في تصريحات لـ"إسلام أون لاين.نت" أن عقد الزواج الذي حصل للعريس هو صحيح، وقال: تبقى قضية أخرى هي أن المجامع الفقهية لم تجز حتى الآن مثل هذه العقود، مشيرا أنه "ما دام أن الشهود تأكدوا من كل شيء، والعريس حاضر معهم والمأذون، ففي هذه الحالة يكون العقد صحيحا وجائزا.
كما دعا النجيمي أهل العريس إلى أنهم لو اتخذوا مخرجا آخر غير هذا الأمر وهو توكيل أحد الأشخاص المعروفين لديهم ليحل محل العريس لكان أفضل لهم من غير تعب". وقال الدكتور النجيمي: استخدام التقنية في هذه الأمور كالزواج مثلا يعيق المصداقية، وقد يكون سببا في أمور أخرى لا نتمناها للزوجين؛ فاتخاذ الطرق السليمة لعقد الأنكحة والخطبة وغيرها هو السبيل لتحقيق السعادة، والخروج من الشكوك التي تنتاب بعض هذه الحالات.
وأكد الدكتور أحمد المعبي، المأذون الشرعي، في تصريح خاص لـ"إسلام أون لاين.نت" أن "هناك قضايا كبيرة في ديننا تحتاج إلى التنبه لها، والتأكيد على صحتها قبل الخوض فيها، وقال: الزواج في ديننا من الأمور الكبيرة، ومن اللازم أن يبنى على اليقين؛ لأن مجرد الشك يبطل العقد، وبالتالي فالزواج باطل"، مشيرا إلى أن "الزواج الماسنجري قد يكون فيه شيء من الغبن والتزوير؛ لأنها حالة قابلة للتغيير".
وقال المعبي: "في مثل هذه الحالات ينبغي على الزوج أن يوكل أحد الناس ليحل محله في العقد"، موضحا أن العقد في مثل هذه الحالات من توكيل لا يصلح، وهو باطل". وأوضح المعبي أن بعض مستخدمي الإنترنت قد يستخدمونه للترويج لعملية الزواج، وقال: هذا تلاعب على الناس، وفيه تزوير وغش، ولا يصلح بناء العقد على أمر كهذا، داعيا الآباء والأزواج إلى تحري الصدق واليقين في تزويج بناتهم، حتى لا يحصل ما لا يحمد عقباه.
يذكر أن العديد من الطلاب زملاء العريس في الجامعة شاركوه فرحة الزواج، وشاركه أيضا الأساتذة ومراسلو الوكالات الأجنبية، وبالتنسيق مع مديري ومسئولي الجامعة كانت قاعة الدرس تضج باللهجة الأمريكية مبدية المباركة للعريس بأسلوب غربي شدته زغاريد الفرح المنقولة مباشرة من جدة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق